بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين القائل في محكم التنزيل
( وَإِذَا سَمِعُواْ مَا أُنزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرَى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُوا مِنَ الْحَقِّ يَقُولُونَ رَبَّنَا آمَنَّا فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ )
والصلاة والسلام على سيد الخاشعين العابدين القائل
( عينان لا تمسهما النار عين بكت من خشيه الله وعين باتت تحرس في سبيل الله ) رواه الترمذي
والقائل ( لا َيَلِجُ النَّارَ رَجْلٌ بَكَى مِنْ خَشْيَةِ اللَّه حَتَّى يَعُودَ اللَّبَنُ في الضَّرْع، وَلا يَجْتَمعُ غُبَارٌ في سَبِيلِ اللَّه ودُخانُ جَهَنَّمَ ) رواه الترمذي
سؤال : متى آخر مرة دمعة عيناك من خشية الله ( أو عند سماع القرآن ) أو شوقاُ للحبيب محمد عليه الصلاة والسلام ..؟
في ظل هذه الزحمة الإعلامية والارتباطات العائلية والزيارات والسفر .. والكد لطلب العيشة الكريمة .. في ظل هذه الأحداث المتسارعة على الساحة هنا وهناك حروب في دول ولهو وطرب في أخرى هل تجد للخشوع وللذة العبادة نصيب في قلبك.. البعض يحزن لسماع قصة وربما تبكي النساء لرؤية مسلسل أو سماع أغنية أو رؤية منظر ولكن المصيبة أننا نسمع الآيات والأحاديث والوعيد والتهديد الشديد بدون أي تأثير أو انفعال داخلي .. أين نحن ممن غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر .. عندما سمع القرآن .. عَن أبي مَسعودٍ رضي اللَّه عنه قالَ ( قال لي النبيُّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم "اقْرَأْ علَّي القُرآنَ" قلتُ: يا رسُولَ اللَّه ، أَقْرَأُ عَلَيْكَ، وَعَلَيْكَ أُنْزِلَ؟، قالَ " إِني أُحِبُّ أَنْ أَسْمَعَهُ مِنْ غَيْرِي" فقرَأْتُ عليه سورَةَ النِّساء، حتى جِئْتُ إلى هذِهِ الآية { فَكَيْفَ إِذا جِئْنا مِنْ كُلِّ أُمَّة بِشَهيد وِجئْنا بِكَ عَلى هَؤلاءِ شَهِيداً } قال " حَسْبُكَ الآن" فَالْتَفَتَّ إِليْهِ، فَإِذَا عِيْناهُ تَذْرِفانِ ) متفقٌ عليه
وكذلك في صلاته عَن عبد اللَّه بنِ الشِّخِّير رضي اللَّه عنه قال ( أَتَيْتُ رسُولَ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم وَهُو يُصلِّي ولجوْفِهِ أَزِيزٌ كَأَزِيزِ المرْجَلِ مِنَ البُكَاءِ )
هل بكينا خشوعاً في الصلاة .. جاء في قصة أبي بكر رضي الله عنه أنه كان إذا قرأ لا يسمع الناس من البكاء ، وجاء عن عمر رضي الله عنه أنه كان يسمع نشيجه من وراء الصفوف .. أين نحن من هذه اللذة ..؟
هل بكينا لفقد الحبيب عليه الصلاة والسلام وهل اشتاقت قلوبنا لرؤيته .. انظر الحب والشوق الحقيقي .. عندما قال الصديق أول الخلفاء الراشدين لعمر رضي الله عنهما ( انطلق بنا نزور أم أيمن، كما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يزورها ) فلما دخل عليها في بيتها بكت. قالا لها ( ما يبكيك يا أم أيمن فما عند الله خير لرسوله )
قالت ( أعلم والله. لقد علمت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سيموت. لكنني أبكي على الوحي الذي رفع عنا )
وهنا جاشت الصدور، وفاضت العيون وبكى أبو بكر الصديق وعمر بن الخطاب مع أم أيمن، وانصرف الرجلان الصالحان من بيتها لكن الود ظل موصولا معها.
وانظر إلى الحب الحقيقي والسمع والطاعة في هذه القصة .. عندما فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم من غزوة حنين ووزع الغنائم بين القبائل سمع مقولة من الأنصار كأنهم غير راضين بهذه القسمة فقال لهم { يا معشر الأنصار، أما ترضون أن يذهب الناس بالشاة والبعير وتعودون برسول الله صلى الله عليه وسلم إلى رحالكم، والله لما تعودون به خير مما يعود به الناس، والله لو سلك الناس شعباً وسلك الأنصار شعباً لسلكت وادي الأنصار وشعب الأنصار، الأنصار شعار والناس دثار، اللهم ارحم الأنصار وأبناء الأنصار، وأبناء أبناء الأنصار } فبكى الأنصار
( من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه و منهم من ينتظر وما بدّلوا تبديلاً، ليجزي الله الصادقين بصدقهم )
وأخيراً عن أنس رضي الله عنه قال: خطب رسول الله صلى الله عليه وسلم خطبة ما سمعت مثلها قط فقال ( لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلا ولبكيتم كثيرا"، فغطى أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وجوههم ولهم خنين )
الضحك والترويح عن النفس مطلوب ولكن أن نجعل كل أوقاتنا عبث ولهو فهذا ما نحذر منه .. وكذلك نأمل التدبر في الصلاة والذكر والتلاوة واستماع الحديث والمواعظ فهي الباقية ومادونها زائلة
امنع جـفونك أن تذوق مناما ... وذرِ الدموع على
الخدود سجاما
واعلم بأنـك ميـت ومحاسب ... يا من على سخط الجليل أقاما
لله قـومٌ أخلصـوا في حبه ... فرضى بهم واختصهم خـداما
قومٌ إذا جن الظلام عليهم ... باتوا هنالك سجداً و قياما
تدبر هذا الحديث عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال ( سبعة يظلهم الله تعالى في ظله يوم لا ظل إلا ظله إمام عادل وشاب نشأ في عبادة الله ورجل قلبه معلق بالمسجد ورجلان تحابا في الله اجتمعا عليه وتفرقا عليه ورجل ذكر الله خاليا ففاضت عيناه ورجل دعته امرأة ذات منصب وجمال فقال إني أخاف الله ورجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه ) متفق عليه
اللهم اجعلنا ممن تظلهم في ظلك يوم لا ظل إلا ظلك واجعلنا ممن تحابا فيك وارزقنا خشيتك في الغيب والشهادة .. اللهم إنا نعوذ بك من قلب لا يخشع ومن عين لا تدمع ومن دعوة لا يستجاب لها .. اللهم ارزقنا الإخلاص في القول والعمل
اللهم آمين