مع بدء انتشار استخدام الهواتف المتحركة “الجوال” اختلفت طبيعة استخدامه باختلاف طببائع الناس، ولنذكر مثلا أوقات إغلاقه، فهناك أشخاص لا يغلقونه أبدا بل قد يشعرون بالتوتر متى انطفأ هاتفهم وإن كان في وقت متأخر، و آخرون نجدهم يغلقونه بعد ساعات العمل أو عند نومهم أو ربما بحسب مزاجهم.
في حياتنا اليومية زاد الارتباط بالهواتف المتحركة مع تطور عوامله: تقنيات الجوال، شريحة الاتصال، وشبكة الانترنت، ووفرة ذلك كله وسهولة استخدامه. وسأتجاوز الحديث عن الشباب والكبار إلى مرحلة عمرية أكثر أهمية في تكوين الشخصية. وننظر ماذا أعطتهم التقنية مقابل ما حرمتهم منه، ومن المسؤول يا ترى؟
نحن نرى تفاخر الوالديْن ودهشتهم بمعرفة أبنائهم بالأجهزة والتقنية أكثر منهم بات أمرا مألوفا، وكذلك مشهد نداءاتهم المتكررة لهم بأن يتركوا جوالاتهم لأجل الأكل أو النوم أو أي نشاط اجتماعي مألوف أيضا، ماذا عن ضعف القدرة على التعبير في جمل طويلة مكتوبة واستبدالها بكلمات مختصرة، وصعوبة المحادثة وجها لوجه وفقد مهارات الاتصال، والميل للعزلة والانغلاق فكريا وذهنيا وعاطفيا واجتماعيا على ما في شاشة الجوال ومن فيها، وماذا عن ضعف النظر والسواد تحت الأعين من السهر، وحالة الاستنفار الدائمة والتوتر والشعور بالجاهزية لتلقي أي رسالة والرد عليها فورا، وكيف أصبح شعورنا بالواقع المحسوس تابعا للعالم الافتراضي فلا نشعر بالأشياء إلا بعد الكتابة عنها.
بل كي يستمعوا إليك أنت بحاجة لأن تأخذ الجهاز منهم مؤقتا أو أن يضعوه بجانبهم وكأنك تقول لهم: ضع سلاحك جانبا، ومع كل هذا بمجرد أن تنتهي من كلامك ثم تسألهم: ماذا قلت؟ تجد الإجابة: لم أسمع، لم أركز، لم أنتبه!!
وحتى لا نذهب بعيدا ما دفعني لكتابة المقال أن هناك الكثير من الأشياء الجميلة من حولنا لا توجد في العوالم الرقمية، وبعضه قد لا يتكرر، وحتى لا يغيب عنا من نحبهم ونحن مشغولون عنهم، وأن متعة الحياة لا تكمن في تحديث الحالة Status عبر شبكاتنا الاجتماعية، فلنوازن بين أوقات استخدام الهواتف الذكية وأوقات نشاطاتنا الواقعية، وأن نجعل التقنية أداة داعمة لتحسين واقعنا وحياتنا، لا أن تكون قيدا لنا أو متاهة، ولكم أن تجربوا أنتم بأنفسكم لبضع ساعات أو ليوم واحد لا بيد آبائكم وإخوانكم الأكبر سنا، لذا قلت: أغلقوا جوالاتكم.
منقووول