بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاتة
الشباب والحب العاطفي
تُرشدنا كتب التربية و علم النفس الى كيفية التعامل مع أسئلة الأطفال المحرجة دينيا و اجتماعيا كشاكلة : أين الله، و لماذا لا نراه، و كيف وُلدت و من أتيت؟ ، و تتراوح طرق الإجابة بين التوضيح المبسط ، أو التعنيف على السؤال ، أو الانكار، أو السكوت، و هي من أحسنها الى أسوئها تنفع في تسكيت الأطفال أو اقناعهم اذ لا تجربة و لا خبرة و لا آراء شخصية أو شخصيات مستقلة لديهم تجعلهم يرفضون ما يُقال لهم
أما التعامل مع الشباب بنفس منطق التبسيط أو التجاهل أو العسف فهو ما أوجد الفجوة بين الأمهات و الآباء و أولادهم الشباب، و هو ما جعل الشباب ينعتون كبارهم بالعقليات المتحجرة و التشدد و "الدقة القديمة"..
و من بين المواضيع الشائكة التي نحجم بأجيالنا المختلفة عن الخوض فيها موضوع " الحب " ، بالرغم أن كل المؤثرات الخارجية التي يتعرض لها الشباب اليوم تعظم من شأن العاطفة و الغريزة و القلب و الشهوات و الجسد فوق اي اعتبارات حياتية اخرى، و من يهتمون قليلا برأي الدين و العادات و الثقافة يبررون أن الحب ليس حراما في الاسلام ، و هذا مما لا خلاف على صحته ، و لكن ليس على إطلاقه و بدون قيود تكفل حفظه طاهرا ينتسب الى الحب الأعظم بمحبة الله و ما تمليه هذه المحبة من حقوق و واجبات و مسؤولية، و ليس هذا موقف الاسلام فحسب، بل جميع الحضارات الانسانية تجد في المبالغة في الحب دون ترخيص حمقا و سفاهة، فنجد أفلاطون يقول" العشق حركة النفس الفارغة" بينما يقول أرسطو" العشق عمى الحس عن إدراك العيوب، و هو جهل عارض صادف قلبا فارغا لا شغل له من تجارة و لا صناعة و لا علم"
و نجد الشابات يبررن حسن النوايا لدى الشباب، و أن هذه العلاقات بريئة طاهرة لا يشوبها شائبة سوء او تجاوز سوى تبادل للمشاعر الرقيقة و مقصدها الى الزواج، و لنفترض أن هذا صحيح، و أن ليس كل الشباب يرتبطون بعلاقات لريبة في نفوسهم أو سلوكهم، و قد يكون قصدهم شريفا، و لكن هل نضمن تحول الأيام و تحول القلوب؟
و كم من فتيات ارتبطن عاطفيا بشباب و لم يُكتب لحبهم أن يكتمل بالزواج بسبب صعوبات المجتمع، أو رفض الأهل، أو الأحوال المادية، فماذا كانت النتائج؟ الأ تترك هذه التجارب الفاشلة شرخا في النفس و القلب يطول علاجه؟
لقد أراد الله الخالق العليم أن تبقى قلوبنا صافية من الكدر و الهم و الغم و كسر الخاطر و النفس، لقد أراد سبحانه أن يبقى قلب الأنثى كالجوهرة لا يستحقها الا صاحب النصيب و الفضل،فتكون التجربة الأولى و الأخيرة، و يكون للحب طعمه و ألقه و كأنه لم يُوجد الا ليكون بينها و بين زوجها دون سابق مقارنات و حسرات على حب رومانسي ماضِ جاد به شاب حالم خال من الهموم و المسؤوليات يأخذ مصروف جيبه من ولي أمره لا يشغله شيء سوى وصف الحبيبة و الجلوس تحت الأشجار و التنزه بين الورود
و كذلك الأمر للشاب أراد الله لقلبه أن لا يشرّق و يغرّب في ملاعب الحسن و الشهوة حتى اذا ما جاء النصيب رأى زوجته أجمل النساء و أودهن و أكفأهن دون حسرة على ما لم يطله في سالف الزمان أو تطلع الى قادم يعصف بحياته و استقرارها
و على عكس ما أُثر من مجمل أشعار العرب و قصص المحبين، فإن المحبة حتى في زمانهم كانت تعف عن فعل المنكر، و ما كان من تعريض الشعراء سوى الكلام، فقد قيل لبثينة في مرض جميل: هذا جميل لما به فهل عندك من حيلة تنفسين بها عنه؟ فقالت: ما عندي أكثر من البكاء الى أن ألقاه في الدار الآخرة، أو زيارته و هو ميت تحت الثرى، و قيل لعتبة بعد موت عاشقها: ما كان يضرك لو أمتعتيه بوجهك؟ قالت: منعني من ذلك خوف العار، و شماتة الجار، و مخافة الجبار، و ان بقلبي أضعاف ما بقلبه غير اني أجد ستره أبقى للمودة، و أحمد للعاقبة، و أطوع للرب، و أخف للذنب
هذا مع افتراض حسن النوايا لدى الشباب، فكيف اذا كان الخوض في مستنقع العلاقات تسلية و قضاء للوطر و تلاعب بالفتيات دون تحمل للتبعات؟ أما الشبوبيّة و إثبات الرجولة فمختبرها الحق في حفظ الأعراض و الترفع عن اللذات، و في هذا قال الإمام أحمد: الفتوة ترك ما تهوى لما تخشى
بحاجة نحن الى فتح حوار صريح في المواضيع الشائكة مع شبابنا لتبادل الخبرات و وجهات النظر، للوقوف على مشاكلهم و محاولة فهمهم، لا مجرد الاصفاء بإذن صماء و قلب أعمى يرى في زمان الآباء الطريق الوحيد الواجب الاتباع، اذا لم يستمع الآباء و الأمهات و المربون الى أولادهم فسيجدون من يبثونه شكواهم و همومهم من غير ذوي الأهلية الدينية و الأخلاقية فيكون ما لا يُحمد عقباه
لا ننكر الحب عليكم أيها الشباب، فقد كنا شبابا مثلكم يوما ما، و لكن لا تنكروا علينا حرصنا عليكم و أننا نراكم الثروة الأعظم في مجتمعاتنا، لا تنكروا علينا أننا نريد لكم حبا عفيفا يسلك دروبا واضحة و طرقا شرعية بلا مواربة و لا اختفاء في الأزقة المظلمة عن الأعين، الحب الذي ينشأ و يكبر و يكتمل في النور، مُباركا في ذاته، مُباركا من الناس و رب الناس.