بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
زوج أم سجان
كنا صغاراً نلهو ونلعب ، لم يجر علينا القلم ، ولم تجر في دمائنا الغرائز ، ولم نكن نحتاج إلى ما يحتاج إليه الكبار من أمر الزواج ، وكنا نرى أن الله قد أراحنا الله وابتلاهم ، و شُرحت صدورنا لخلونا مما به أشقاهم ،
ثم ما لبثنا أن دارت بنا عجلة الأيام ، وجرجرتنا قاطرة السنين ، حتى صار الغلمان اليافعين شباباً ناضجين ، وسرى فينا ما سرى في آدم عليه السلام وهو في الجنة من قبل خلق حواء من الوحشة وطلب الأنس والمودة والرحمة ، فعلمنا أنه شيءٌ خارج ٌ عن نطاق الاختيار ، وأنه رُكِّبَ في الإنسان تركيبا ، زُين له تزيينا وحبب إليه تحبيبا ، وذلك لتعمر الحياة .
وكنت أقول لصاحبي :
أرأيت لو أن للواحد منا أزراراً يتحكم بها في غرائز نفسه ، فيبطل هذه ويسمح لتلك على ما يسول له عقله ، وتبدي له مصالحه ، فلا تطالبه هذه بكثير مهر ، ولا ترمي به الأخرى إلى أتون قهر ؟!
فكان يقول لي :
لا تقدم بين يدي الله ولا تقترح عليه ، وقد خلقك في أحسن تقويم ، وتأدب معه ، فوالله إنه بخلقه لسميع عليم ، وما أدراك إن هو أعطاك ما تطلب من أزرارٍ تتحكم بها في نفسك لتستغني عن شقائق الرجال ألا يعطيهن ما يشغلنك به عن بعد كما تفعل أنت مع الأجهزة الالكترونية ؟!
ومرت الأيام ولم يكن لدينا بدٌ من السعي إلى الزواج كما فعل الذين من قبلنا ، وخضنا بحره كالذي خاضوا ، فمنا ظالم لنفسه وأهله ، ومنا مقتصدٌ في أمره ، ومنا سابقٌ بالخيرات ، سعد وأسعد ، وابتهج وأبهج ، وملأ الحياةَ حوله سرورا ، وهدىً ونورا .
ثم إنَّ صنفاً من المحسنين فترت همته ، وقلت عزيمته ، فما هي إلا سنواتٌ معدودات حتى ضجر ، هجر عسل اللسان ، ولمسة الحنان ، وألهاه كسب العيش والانشغال به عن طلب حسن العشرة ، ونسي أن جبهته الداخلية هذه ليست من حجارةٍ ومتاريس ، ولكن من دمٍ ولحمٍ وأحاسيس .
وما أدرك هذا الصنف أنه إنما يقوى كاهلُ الزوجة على تحمل المشاق والهموم بالتربيت ، ويضعف بالهجر والتبكيت ، وأن لمسة الحنان تنير الوجه وتقدح الجنان ، وأن الكلمة الطيبة تشفي الصدر وتريح القلب ، وأن نظرة الحب تُشعل وقود التضحية وتزيد العطاء .
فيا له من غبيٍ من يرفض وظيفة الزوج ليعمل سجاناً على أنثى لا حول لها ولا قوة ، وهل هو إن تخلى عن المودة والرحمة إلا سجانٌ أو آسر لها مسترق ، يستخدمها استخدام الجواري ، ثم ينهشها نهش الضواري ؟!
فاتقِ الله يا أخي فيمن أعطتك ما أعطتك بكلمة الله ، ولم يكن لك عليها فضلٌ إلا برحمته وتفضيله ، ثم إنفاقك من حسن خلقك قبل طيب مالك ، واعلم أن بيديك سعادتك وشقاءك ، وأن من تستضعف اليومَ قد يقوى عليك بحجة الله غداً في يومٍ أنت أحوج فيه إلى النصير ، تُحاسب فيه على الفتيل والقطمير .
{فَسَتَذْكُرُونَ مَا أَقُولُ لَكُمْ وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ }غافر44
بقلم : خالد الطبلاوي