السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
هم .. رحلوا ونحن على الأثر
سأهيئ روحي للسفر البعيد .. ما عاد في العمر عمرا للبقاء وكل من هم حولي قد غادروا تباعا ومن بقي هم سائرون على الدرب القريب / البعيد.
أين همُ .. أين من خططنا ذات نهار معهم ورسمنا أمنياتنا سوياً ذات مساء.. أين من كتبنا معهم أجمل القصيد .. أين من تسامرنا معهم الليالي الطوال .. أين من بكينا وذرفنا الدموع على صدورهم ننفث على تلك الصدور عذابات الأيام .. أين من قصصنا عليهم حوائجنا ومشاكلنا فأعطونا صواب الرأي وأرشدونا إلى الدرب السوي.
أين من كانوا قبل سويعات بيننا تعتلي ضحكاتهم هامات النخيل لا يشتكون هماً ولا حزناً ولا ألما .. أين هم؟!.
غادرونا في صمت مريب دون سابق إنذار .. أزاحوا ستار الوقت فقضى الوقت على بقائهم .. وبقينا دونهم فرادا وحيدين ومشدوهين من تصاريف القدر ومحتسبين غيابهم عند الله أجرا.
غادرونا وآثار خطاهم على التراب رطبة وندية.. وضحكاتهم لايزال يرددها المدى .. وأحلامهم العملاقة مازالت تعانق رياح الحياة لكنهم رحلوا مخلفين وراءهم كل شيء .. كل شيء.
رحلوا ولم يلتفتوا إلى شيء ولم يستأذنوا أو يودعوا حتى بمناديل مبللة بالدموع لم يلوحوا .. لقد غيبهم الموت فكم هي عظيمة مصيبة الموت وكم هي مؤلمة... كم لياليك طوال لمن يعيش على ذكرى من فارق بغتة وكم نهاراتك متعبة وثقيلة أيتها النهارات.
تتساءل الأمكنة عن من كان يرتادها أين أحبابها غابوا ... وتتساءل أمواج البحر عن من كان بالأمس القرب يغتسل في زرقته أين هو من ملامسة جسده تلك الزرقة .. وتتحدث عنكم الأطيار والدروب الصغيرة والأزقات والقرية الكبيرة .. كلها تتساءل عن سر الغياب.
ترى ماذا نقول والجموع تهرول نحو الغرب تتمتم في عبارات تسبيحية وتردد الشهادة على مسمعها وتبكي .. تحمل على أكتافها نعش أبيض لعزيز على قلوبها غادرها بغتة.
هي الأقدار هكذا مطويات من صحف الحياة دونت عليها أسماء وتواريخ ميلاد وتواريخ انتهاء لكنها في علم الغيب ومع كل لحظة تطوى صحائف وفي جوفها إسم / أسماء لأشخاص أو شخص ما.
حياة ديدنها العذاب فلا الباقي فيها مرتاح ولا المغادر منها مرتاح والكل يجري منذ ولادته خلف أشياء لا يعرف مداها ولا ما هيتها ولا إن كان سيصل إليها أم لا ، لكنه يبقى الفراق الصعب هي اللحظة التي تقصم ظهر البعير .. اللحظة المؤلمة التي لا ترى بعدها سوى شريط من ذكريات يطوفك كل حين ليرسم لوحة حزن لا يمكن أن ينسيها الفكر فلا نملك سوى الدموع والصبر والدعاء.
يئن الألم فينا ولا شيء نملكه سوى النظر المكسور على غائب لن يعود .. هكذا رحل ماجد طاوياً صفحته وقبل رحيله ترك وصيته الأخيرة في أذني (لا تبخل بالزيارة والسؤال على خلفان ، لكنه حتى خلفان قال القدر فيه كلمته ورحل ملتحقاً بركب الراحلين ليجمعهما نفس المصير) فمن نبكي وكلا الجرحين ينزفان فلا جرح ماجد اندمل ولا جرح خلفان سيخفف الجرح الأول وسيبقى النزف على الفقيدين ولا نعلم من القادم ومن ينتظر ومن هو أقرب ومتى فكلها أقدار فمن رحل ترك ندبات في القلب والباقون عيون تترقب مصيرها ورحيلها . ترى هل تهيأنا لمثل ذاك السفر .. هل حزمنا حقائب ذاتنا .. هل أقمنا مشاريع النعش ورحلة الصمت التي تهيمن على المكان والعيون باكية تنظر إليك وأنت في سبات عميق .. هل أدركت حجم السؤال في ظلمة القبر ... هل عايشت وحشة المقابر يوماً .. هل جاورت قبراً ذات ليل مدلهم السواد .. هل كتبت أو تخيلت سيناريو الرحيل والقبر والسؤال وهل نحتاج لغير الموت واعظاً؟!.
ألملم أوراقي الثكلى بالحزن والمثقلة بهموم من تركونا وليس سوى دعاء نتمسك به إليهم يصلنا بهم في جوف الأرض بأن يتغمدهما الله برحمته وأن ينزل عليهم الضياء والنور والبهجة والسرور وأن يرحم موتانا وموتى المسلمين وأن يرحمنا إن سرنا إلى ما صاروا إليه وأن يجعل خير أعمالنا خواتيمها.
اح ـترامي
مما راق لي